
ما علاقة مواقع النجوم في السماء بانحراف الضوء في النسبية العامة ؟
هل مواقع النجوم التي نراها في السماء حقيقية ؟ أم أن للعلم رأي آخر ؟
وما علاقة مواقع النجوم باِنحراف الضوء في النسبية العامة ؟
مواقع النجوم ومفهوم الجاذبية
عندما نتحدث عن الجاذبية فأول ما يتبادر إلى أذهاننا العالم إسحق نيوتن، و نيوتن ليس أول من تحدث عن الجاذبية، فقد سبقه إلى ذلك فلاسفة إغريق مثل أرسطو، وعلماء من الحضارة الإسلامية مثل الهمداني وأبو جعفر الخازن، إلا أن ما ميز نيوتن أنه صاغ أفكاره على شكل قانون، فوضع قانونه الخاص بالجاذبية (قانون نيوتن)، الذي لا يزال لأفضليته باقياً بعد مرور أكثر من ثلاثة قرون من البحث والتفكير في الموضوع؛ وحتى النظرية النسبية لأينشتاين لم تُزِح قوانين نيوتن عن أيٍّ من تطبيقاتها على مستويات مختبر مقيد بالأرض، ولكن نيوتن عجز عن تفسير منشأ الجاذبية، كما لا يمكن تطبيق قانونه خارج نطاق الأرض.
في الحقيقة؛ قدمت النظرية النسبية لأينشتاين فكرة أصيلة تماماً عن كيفية عمل الجاذبية، وإن أهم ما تناولته نظرية النسبية العامة فكرة تحدب الزمكان التي غيرت العديد من المفاهيم الكونية، ففكرة تحدب زمكان النسيج الكوني استطاعت أن تفسر منشأ الجاذبية التي عجز نيوتن عن تفسيرها.
لقد وضح مفهوم تحدب الزمكان أن الجاذبية ليست مثل القوى الأخرى، فالزمكان ليس مستوياً وإنما يتحدب نتيجة توزع الكتلة والمادة فيه، فكل كتلة في الفضاء تسبب التقوس والتحدب حولها.
ومفهوم تحدب الزمكان لم يفسر منشأ الجاذبية فحسب، بل قدم مفهوماً عن مسار الضوء في الفضاء و تأثره بكل من التحدب والجاذبية، فجميعنا يعلم أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة بسرعة 300000 ألف م/ثا؛ وفق ما تناولته الفيزياء الكلاسيكية، ولكن بظهور النسبية أصبحت هذه الحقيقة التي كنا نعلمها في مهب الريح، فالفضاء المحدب يعني أن الضوء لم يعد يسير في خطوط مستقيمة، و لابد لمجال الجاذبية أن يسبب انحناء مسار الضوء، فالضوء الذي يمر بالقرب من الشمس لابد أن ينحني قليلاً للداخل بسبب كتلة الشمس،
وهذا يعني أنه عندما يمر ضوء نجم بعيد بالقرب من الشمس فإنه ينحرف بزاوية صغيرة كان أينشتاين قد قدرها بشكل تقريبي 1.75 درجة.
ولهذا يبدو النجم في موقع مختلف عن موقعه الحقيقي بالنسبة للمشاهد على الأرض؛ أي أن رؤيتنا للنجوم في مواقعها ليست سوى محض خداع، فالموقع الذي نراه لنجم بعيد هو موقع ظاهري؛ أما الموقع الحقيقي له فهو ما قبل انحراف ضوئه ووصوله لأعيننا؛ فلا يستطيع أي من البشر أن يجزم بمواقع النجوم بسبب انحراف الضوء الناتج عن تلك الكتل الضخمة المتمركزة في النسيج الكوني و جاذبيتها.
إثبات انحراف الضوء وعلاقة ذلك بمواقع النجوم
رغم أن نيوتن تحدث عن تأثّر الضوء بجاذبيّة الأجرام الفلكيّة الثقيلة، إلا أن حسابات عالم الفلك البريطاني آرثر إدنجتون بينَّت أن المعادلات التي وضعها نيوتن عن تلك الظاهرة لم تكن دقيقة، ومعادلات آينشتاين تفوقها دقة بكثير، ففي العام 1919م قامت بعثة بريطانية بمراقبة ضوء النجوم الواردة من خلف الشمس أثناء الكسوف الكلي للشمس في الساحل الغربي لأفريقيا.
حينها قدّم آرثر إدنجتون أول إثبات عن مقولة النسبيّة العامة بأن الضوء يتأثر بجاذبيّة الأجسام الفلكيّة الثقيلة، وأثبت أن الضوء ينحرف بالفعل بسبب كتلة الشمس كما تنبأت النظرية النسبية، وبالتالي أثبت انحراف الضوء بفعل الجاذبية الهائلة للأجرام الفلكية، وأعطى انطباعاً جديداً عن مواقع النجوم التي نراها في السماء.فأثناء الكسوف الكلي للشمس، وثّق إدنجتون حدوث تغيير ظاهري مؤقت لموقع أحد النجوم الضخمة البعيدة عن الأرض، بمعنى أن الضوء الواصل من النجم انحرف تحت تأثير جاذبيّة الشمس، ولولا الكسوف فإنه من العسير رؤية هذه الظاهرة؛ إذ يتسبب ضوء الشمس باستحالة الأمر، ولكن ذلك يصبح ممكناً عندما يحجب القمر قرص الشمس، ومنذ ذلك الحين؛ باتت ظاهرة انحراف الضوء تحت تأثير الجاذبية الشديدة وسيلة ناجحة يستخدمها الفلكيون في اكتشاف الكون، وسمّيت هذه الظاهرة باِسم عدسة الجاذبية (gravitational lens)، تشبيهاً لها بوظيفة العدسة الزجاجيّة.
إذاً عندما تنظرون ليلاً إلى النجوم في السماء فأنتم لا تشاهدون النجوم في مواقعها الحقيقية بل مواقعها الظاهرية بسبب انحراف الضوء، وهذا الضوء هو ذكرى قد تكون الأخيرة لنجوم لفظت أنفاسها !
موضوع: ما علاقة مواقع النجوم في السماء بانحراف الضوء في النسبية العامة ؟
إعداد: م. محمد باقي
تدقيق وتعديل: فراس كالو
المصادر
- كتاب الميكانيكا الكلاسيكية؛ تأليف : مايكل كوهين، ترجمة :محمد أحمد فؤاد باشا
- كتاب تاريخ موجز للزمن؛ تأليف : ستيفن هوكينغ، ترجمة : مصطفى إبراهيم فهمي